29 Jul 2011

شخص الرئيس!


أتحفنا النظام السوري، كعادته، بمشروع قانون الإعلام المُرتجى، وفي واحدة من مواده تلك التي تحظر (الفعل المحبب لدى النظام) التعرّض لشخص الرئيس أو أحد أفراد عائلته "الكريمة"! بالتوجه إلى النظام نقول: هل تعتقد، أيها الرئيس، بأنك أو أفراد عائلتك الحاكمة على قدر من الاحترام الذي يخوّل الشعب الثائر في وجهك لجم لسانه عن شتمك والتعرّض لشخصك وأنت الذي خلفت له على الأقل شهيداً أو جريحاً أو معتقلاً أو مبعداً أو مجهول المصير؟ تقتلني ولا أقتلك، وهذا الأخير قراري، لكن لم يعد بمقدورك منعي أن أُشهِّر فيك وبشخصك وأن أسقطك!
 ما هو مصدر حرج الرئيس عند التعرض لشخصه كلامياً؟ اهتزاز هيبته؟ بالتأكيد، ولكن، ألم يرَ كيف أزالها الشعب بيديه العاريتين من كل ساحة ومبنى حكومي في المدن والقرى الثائرة دون مساس هيبة الدولة بتخريب ممتلكاتها، وكيف صدح القاشوش في ساحة العاصي متحدياً مع أهالي حماة هيبته الفارغة. في كل مدينة سورية شهدت حدث الانتفاضة هناك قصة تروى عن كيفية سقوط هيبة الأسد. ما أراده ويريده الشعب الثائر في سوريا هو إزالة الدلالات الرمزية لشخص الرئيس من على هيبة الدولة الحقيقية، وهي لم تكن سوى دلالات مفعمة بشخصنة الدولة وهيبة قائمة على القتل والمافيوية والتخوين والإلغاء.

الثورة السورية تؤكد للشهر الخامس على التوالي سلمية سيرورتها وإصرارها على نيل الحرية واسترداد الكرامة والشروع ببناء الدولة الديمقراطية الفاعلة من خلال المواطنة والمجتمع المدني؛ من ناحية أخرى، تبرز مشكلة شخصية حقيقية بين الشعب السوري الثائر وشخوص النظام، وخاصة الرئيس والشقيق والأب والصهر وابن الخال..الخ بمعنى العائلة، وليس كما يروّج محابي النظام بأنها مشكلة شخصية مع الطائفة.

لطالما فاخر بشار الأسد باختزال الدولة بشخصه هو على طريقة والده الراحل، وحاول إلحاق امتياز (الأولية) في كل شيء: العامل الأول، الفلاح الأول، المعلم الأول (متضمنة للمهن الحرفية أيضاً)...الخ؛ لكن، في الوقت ذاته، لم يكن بشار الأسد أبداً ، وكذا والده من قبله –المروّج "الأول" لهذه المهزلة الأخلاقية- المسؤول "الأول" عن أي تصرف انتهك في وقت مضى حقوق الإنسان  السوري، جرّد مجتمعه من قيم المواطنة واتهم الشعب بالعمالة  فقط لمطالبته بالحرية والقائمة تطول عند ذكر ما قام به النظام بشخوصه، لم يكن، إذا أردنا التخفيف، المعترف الأول عن أخطاء ارتكبت بحق المواطنين، بل كان نظام تدور حوله الشبهات.

كيف يطالب بشار الأسد بمنع الناس في المنطقة الشرقية مثلاً عن التعرض كلامياً لشخصه وإسقاط شرعيته وهم الذين اصطفوا طوابير طويلة بانتظار تنمية مرتقبة وُعدوا بها، فلم يرو منها، على الأقل خلال عهده الميمون، سوى قتل للسوريين الأكراد، اعتداء أمريكي على مدينة البوكمال الحدودية، ضربة جوية إسرائيلية لمحافظة دير الزور وإهمال إداري لمواجهة موجات الجفاف التي فتكت بمحاصيل سوريا الحيوية. عوضاً عن هذا كله رأى أهل الشرقية بأم عينهم كيف يقتلون برصاص أشقائهم.

لن تهدأ ثائرة السوريين المنتفضين في وجهك حتى يتم تحجيمه من العلن في الساحات والمباني والطرقات إلى صفحات الكتب المُذكّرة بحقبته وحقبة والده، وبالتالي حلّ تلك المشكلة الشخصية.


No comments:

Post a Comment