شرفاء الجيش بين حزيران ١٩٦٧ و ٢٠١١

علاء خنجر
مجدل شمس، الجولان المحتل
١٠ حزيران ٢٠١١



- السبت ١٠ حزيران ١٩٦٧، أعلن وزير الدفاع حافظ الأسد الساعة ٩:٣٠ البلاغ العسكري رقم ٦٦:

“إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى. وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل. إن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها”


صدر هذا البلاغ بتوقيع وزير الدفاع وقتها حافظ الأسد يعلن فيه سقوط القنيطرة قبل أن تصل القوات الإسرائيلية إليها بساعات عدة وقبل أن يدور أي اشتباك في منطقة القنيطرة أو مشارفها، وكان قد سبق هذا البلاغ أوامر بالانسحاب من مواقع خط الدفاع الأول من أجل الدفاع عن الثورة (ثورة البعث) كما قال بعد ذلك أحد قادة البعث المقدم رئيف علواني بأن “الانسحاب كان لحماية الثورة لأن هدف إسرائيل هو التخلص من الثورة وليس احتلال بعض المناطق”. مما أثار هذا الأمر بالانسحاب دون خطة مدروسة كما هي عادة الانسحاب في الجيوش، الفوضى في صفوف المجندين بعد سماع الأمر وتخلي الضباط عن مواقعهم واللوذ بالفرار وترك الجنود في ساحة المعركة دون أن يُعْلِموهم ما الذي يجري.  ولا بد لنا هنا أن نذكر بأن قائد الجيش اللواء أحمد السويداني كان أول الفارين تاركا الجبهة دون قيادة، كما أن قائد الجبهة العقيد أحمد المير قد فر على ظهر حمار حين خلع عن جسده بدلته العسكرية بعد أن خلع كرامته وشجاعته. وزاد من الفوضى في صفوف الجيش البلاغ ٦٦ الذي يعلن عمليا استيلاء إسرائيل على الجولان، فالجنود في منطقة القنيطرة اصابتهم الدهشة وهم يرون القنيطرة لم تمس بعد أما في باقي المناطق فقد ساد الهلع ظنًا من الجنود بأن الجيش الإسرائيلي صار فعلا خلفهم وقد استولى على القنيطرة، فترك الجنود مواقعهم وآلياتهم ولاذوا بالفرار بشكل فردي بعد ترك الضباط لهم وتخلي المسؤلين عن تقديم أي معلومات وأوامر تفيد بانسحاب منظم أو إعادة انتشار.

هذا الانسحاب المشين الذي أصدره حافظ الأسد دون أي قتال أو أي تكتيك تاركا جنود الدفاع وآلياته تتصيدها طائرات العدو لا يمكن تبريره، أضف إليه التصريح المخزي الذي صرح به إبراهيم ماخوس وزير الخارجية : “نحمد الله أن عاصمة عربية لم تمس” ويضيف “كنا عاملين حسابنا أن دمشق ستسقط”.

من جهة أخرى يذكر وزير الصحة آنذاك عبد الرحمن الأكتع أنه كان في مشفى القنيطرة لحظة إذاعة البلاغ فقام بالاتصال بدمشق للتوضيح بأن هناك خطأ في البلاغ إلا أن حافظ الأسد طلب منه عدم التدخل، فقام بالتوجه مباشرة إلى دمشق مطالبا الحكومة بفتح تحقيق معتبرا الأمر خيانة، فكان رد الأسد بالاعتداء عليه بالضرب أمام الوزراء فقدم استقالته وغادر سورية.

بطل معركة القلع الرائد الشهيد محمد سعيد يونس

رغم هذا العار الذي ألحقته حكومة “ثورة” البعث وعلى رأسها حافظ الأسد بالجيش السوري إلا أن أبطالا رفضوا هذا العار ولم يقبلوا التنازل عن حدود الوطن دون مقاومة فقام كلٌ من معسكر تل الفخار بقيادة النقيب نورس طه ومعسكر تل العزيزيات وموقع إسناد القلع بقيادة الرائد محمد سعيد يونس بعدم الانصياع لأوامر الانسحاب غير المبرر وصمدوا وجنودهم في مواقعهم موقفين توغل الجيش الإسرائيلي الذي صب جل قوته على هذه المنطقة وألحقوا به خسائر كبيرة باعتراف دافيد إليعيزر قائد الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي قائلا:  “لتعرفوا ما حدث في تل الفخار كان عليكم زيارة مستشفى رامبام.”

هذا غير البطولات الفردية التي قام بها مدنيون والتي أوقفت أرتال الدبابات الإسرائيلية لساعات عدة كما فعل شابان  لا يحملان من العتاد سوى بنادق صيدهم في سهل المنصورة.

هذه الشجاعة التى أظهرها هؤلاء البواسل لم تكن كما يبدو بحسبان القيادة في دمشق، ولم يرد في ذهنهم أن في هذا الجيش شرفاء يرفضون أن تسقط ذرة تراب من الوطن دون مقاومة وأنهم قد يرفضون الانصياع لأوامر غريبة بالانسحاب ويأبون الانصياع إلا لنداء الوطن رغم علمهم بأن موقفهم هذا سيكلفهم أرواحهم لكنهم فضّلوا أن يتركوا بصمة تمحي العار عن الجيش وتلصقه بالقادة. هذه الشجاعة التي رغم محاولات النظام السوري التعتيم عليها واخفائها ما زالت تقول بأن الجولان لو دافع عنه القادة بوفاء القائد والعسكري للوطن ما كان ليسقط.

واليوم في ذكرى سقوط الجولان يقوم من جديد محمد سعيد يونس ونورس طه وكل الجنود والضباط الأبطال الذين دافعوا ببسالة عن الوطن في حزيران ٦٧ رافضين العار والانصياع لأوامر بيع الوطن، يقومون من جديد ليبعثوا في نفس الأحرار من الجيش روح الشجاعة والانصياع لصوت الضمير، ها هو خالد المصري أول شهيد في الجيش يرفض قمع المتظاهرين في درعا بتاريخ ٢٣ آذار وتلاه كثيرون من الأحرار في الجيش العربي السوري الذين يحملون في نفوسهم روح أبطال حزيران البواسل، ها هم يؤكدون أن الجيش السوري ليس ثلة القادة التي تدين بالولاء لشخص بل الجيش هو الذي يدين بالولاء للوطن وللشعب.

ما أشبه أبطال الثورة السورية من المجندين المنشقين عن نظام الأسد بأبطال حزيران ٦٧، فقد اختار هؤلاء كرامة الوطن والشعب كما اختارها أبطال حزيران وانحازوا إليها ورفضوا العار وهيمنة السلطة الواحدة وإخلاء ساحة المعركة دون موقف. فالشرفاء يخوضون معركة واحدة يدافعون عن وطن واحد سلبه واحتكره لذاتهم خونة الوطن. وها هي المعركة شارفت على الانتهاء بانتصار الوطن ليمجد شهداء الثورة ويعيد لشهداء حزيران حقهم وكرامتهم التي سلبها نظام الأسد بطمسه معالم بطولتهم. لقد غيّب نظام الأسد الأب أسماء شهداء تل الفخار وتل العزيزيات واسناد القلع والبطولات الفردية في حزيران ٦٧ ومحى قصة معركتهم تماما كما يحاول الأسد الابن تغييب أسماء شرفاء الجيش الذين يرفضون قتل إخوانهم الثائرين. ستنتصر الثورة بدم الشهداء وبتضحية شرفاء الجيش لتعيد لنا أسماء أبطال حزيران الذي يخفيهم النظام في خزائن لا أعرف إن كانت موجودة، يخفيهم فقط لأنهم بكرامة أسمائهم فضحوا ضعفه وخيانته.