مساهمة في النقاش الكردي الفلسطيني - حوار المظلومين

سامي حسن
2009 / 12 / 10
الحوار المتمدن



نشرت «السفير» بتاريخ 10/9/2009 مقالاً للأستاذ صقر أبو فخر بعنوان أكراد العراق: هل يتحول «المظلومون» إلى «ظالمين». وقد كتب الأستاذ أحمد حسو مقالاً نشرته نفس الصحيفة بتاريخ 16/9/2009 تحت عنوان «رد على صقر أبو فخر: شهداء الأكراد لم يكونوا في نزهة».
القراءة المتأنية للمقالين تبين أن الكاتبين أقرب إلى بعضهما مما قد يظن البعض. فصقر أبو فخر يقول صراحة إن من حق أكراد شمال العراق الانفصال إن أرادوا، وهو موقف يتجاوز سقف ما يقوله كثير من المثقفين الكرد، أما الحل الأفضل الذي يراه وينصح به فيتمثل في «قيام عراق ديموقراطي علماني ذي نظام دستوري يقرره شعب العراق كله، عرباً وكرداً وتركماناً وكلداناً وآشوريين وصابئة... الخ». من حق صقر أبو فخر أن يعبر عن وجهة نظره، مثلما أن من حق أحمد حسو أن ينتقدها أو يرفضها، علماً بأنها، ربما، لا تتعارض مع قول الأخير: «إن مستقبل الأكراد هو مع جيرانهم وكل ما عدا ذلك فطارئ ومؤقت مهما بلغت قوته».
من الواضح أن اختلاف الكاتبين، حول موضوع الاعتذار وتحميل المسؤولية عن المجازر، هو في شكل أو طريقة مقاربة الموضوع. أما جوهر موقفهما فهو واحد، فكل منهما يخوض معركة نبيلة ضد العنصرية، ويرفض اجترار الماضي، أو تحميل الشعوب تبعات أخطاء البعض. صقر أبو فخر، كغيره من الفلسطينيين، يسعى ويسعد لاكتساب أصدقاء لقضيته ويحزن ويغضب لخسرانه لهم، بغض النظر عن أسباب الخسارة. وأحمد حسو عاتب على عدم تفهم حقيقة موقف أغلبية الكرد.
هذه القراءة لبعض الأفكار التي وردت في المقالين، ليست محاولة إرادوية للتقريب بين وجهتي نظر الكاتبين، بل مساهمة موضوعية في النقاش.
فمقاربة وفهم المسألة الكردية وعلاقتها بالوضع العربي والفلسطيني، تتطلب أولاً، ضرورة التفريق بين مواقف الشعوب، ومواقف قواها السياسية أو أنظمتها الحاكمة. فلا تؤخذ الشعوب بجريرة ممارسات خاطئة لا علاقة لها بها. فعلى سبيل المثال، من غير المنطقي أن يرد على السياسات العدوانية للإدارة الأميركية، بموقف سلبي من الشعب الأميركي. أو أن يحمل الشعب اللبناني، مسؤولية مجزرة صبرا وشاتيلا، التي قام بتنفيذها فريق سياسي فاشي من اللبنانيين، أو أن يرحل الفلسطينيون من الكويت بسبب موقف قيادتهم. في هذا السياق يأتي سؤال الأستاذ أحمد حسو هل مشاركة بعض الأكراد في الكتائب الحميدية العثمانية يعني أن الشعب الكردي برمته مسؤول عن مذابح الأرمن؟ والجواب هو قطعاً لا.
وثانياً، لا بد من تمييز ردات الفعل من دون أن يعني ذلك تبريرها وقبولها، أو التملص من تسمية الأخطاء المتعلقة بها بأسمائها. ولعل ما جرى في الحرب الأهلية الطائفية في لبنان ، وما يجري في العراق اليوم، خير دليل على ذلك. فالتعبئة الطائفية وإحساس كل طائفة بالخوف من الأخرى، والتوتر عندما يبلغ مداه. يترجم بردات فعل هجومية أو دفاعية تكون فيها الشعوب في حالة غياب عن الوعي، مما يسهل جرها باتجاهات، تعاكس مصالحها الحقيقية.
ولا يندر أن تدرك الشعوب ولو متأخرة خطأ مواقفها السابقة. وهذا ما حصل أيضاً بالنسبة للأكراد، حيث تمكنت القوى السياسية المسيطرة على الساحة الكردية من تحويل غضب الأكراد وحقدهم على ممارسات نظام صدام الاستبدادية، إلى مشاعر غضب وحقد إزاء من ظنوا أن النظام السياسي السابق كان ينطق باسمهم. وانسحب هذا الموضوع على كل من تميز موقفه برفض الاحتلال الأميركي للعراق، ومنهم الفلسطينيون، حيث ترجم هذا الموقف للفلسطينيين، وكأنه دفاع عن النظام الذي مارس بحق الأكراد أبشع عمليات القتل والتهجير.
وفيما يتعلق بالاحتلال الأميركي للعراق والموقف منه، ينسى من قام، ويقوم، بالفعل أو رد الفعل، أن من سوّق لهذا الاحتلال وأيده أو تصدى له وعارضه هم شخصيات وقوى من مختلف الطوائف والإثنيات. كذلك فإن إشارة السيد أحمد حسو إلى قتال الأكراد إلى جانب الفلسطينيين في قلعة الشقيف في الوقت الذي انسحب البعض بأوامر من الحاج اسماعيل فهي إشارة صحيحة، مع ضرورة الانتباه، مرة أخرى، إلى أن المدافعين عن قلعة الشقيف وغيرها، والذين قاتلوا واستشهدوا هم فلسطينيون ولبنانيون وسوريون ويمنيون وأكراد و... وأن الذين انسحبوا، أيضاً، ينتمون إلى جنسيات مختلفة.
كل شعب على هذه الأرض فيه من هو مستعد للتضحية بحياته دفاعاً عن أرضه، وفيه من يبيع نفسه للعدو.. ولذلك يجب ألا يستغرب الأستاذ أحمد حسو، عندما يقال عن شخص كردي عادي أو قائد أو حزب أن مواقفه خاطئة وقد تبلغ حداً من الخطأ الذي لا يمكن تبريره. وينطبق الأمر نفسه على الفلسطينيين، وعلى أي شعب في العالم.
لا يمكن لكائن من كان، أن يغطي الشمس بغربال، أو يزور التاريخ. إن أشد ما تعرض له الأكراد من مآس ومجازر كان على يد الديكتاتورية في تركيا والعراق، وبدعم وتحالف واضحين، حينها، من الإمبريالية الأميركية وإسرائيل اللتين تعتبران العدو الرئيسي للشعب الفلسطيني. لذلك كان من الطبيعي أن يتحالف الشعبان الكردي والفلسطيني. وبالفعل دعمت المقاومة الفلسطينية القوى الكردية، التي كثيراً ما تدربت كوادرها في معسكرات المقاومة الفلسطينية. وفي نفس الوقت، التحق أكراد بالعمل الفدائي الفلسطيني. وفي النتيجة، كاد الفلسطيني، بنظر الكردي، أن يتحول إلى أيقونة لا سيما في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات.
إن مصلحة أي شعب تقتضي التفكير كثيراً في مواقف قواه السياسية وقياداته، و ألا ينجر بعفويته وراء شعاراتها البراغماتية. لكن الواقع والتاريخ يقولان إن الشعوب كثيراً ما لا تدرك مصالحها، وإنها لا تستطيع دوماً اختيار من يعبر عنها. ولو كان الأمر عكس ذلك لما كان بوش أو ساركوزي أو برلسكوني رؤساء في دولهم، ولما تمكنت فتح وحماس من التربع على رأس النظام السياسي الفلسطيني، ولما تمكن الحزبان الكرديان، الحزب الديموقراطي والاتحاد الكردستاني من تقاسم السلطة في كردستان العراق.
أخيراً، فإن ما ورد في مقالة الأستاذ صقر أبو فخر من إشارة إلى بعض الشخصيات الكردية التي لعبت دوراً هاماً في الحياة السياسية والثقافية العربية، يحيلنا إلى الأعمال الشعرية الكاملة لسليم بركات الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 2007 ، التي نقرأ على غلافها كلمات محمود درويش «منذ غزا سليم بركات المشهد الشعري العربي، في أوائل السبعينيات، بشّرنا بشعر جديد مختلف. لم يشبه أحداً، وسرعان ما صار هذا الفتى الكردي الخجول أباً شعرياً لأكثر من شاعر عربي»، قد تكون هذه الإحالة في غير مكانها أو بعيدة عن الموضوع الذي نناقشه، لكن القصد من إيرادها التأكيد على عمق العلاقة العربية الكردية وتشابكها، والتذكير بالعلاقة المميزة بين رمزين هامين أحدهما فلسطيني والآخر كردي. قد يختلف المعذبون في الأرض فيما بينهم، لكن سرعان ما يتفقون. ولأن الأكراد والفلسطينيين هم من المظلومين، فلن يتحولوا إلى ظالمين، وسيتضح لهم، في الأيام أو السنوات القادمة، أكثر من أي وقت مضى، أن ما يجمعهم، هو أكبر بكثير مما يفرقهم.